رحلة رعاية الجنين والمولود

رحلة رعاية الجنين

الفرحة الأولى، والرّحلة الأولى لها طعم خاص عند الوالدين، لكنّها تترافق مع تساؤلات ومخاوف كثيرة، كيف ستكون هذه الرّحلة؟، وهل سيكون النّجاح حليفهما في رعاية هذا الكائن الجميل؟!! وهل سيكونان على قدر المسؤوليّة في حمل هذه الأمانة؟!!.

تبدأ هذه الرّحلة عند معرفتهم بالحمل، هذه المرحلة لها أهمية كبيرة على نمو الجنين الفيزيولوجي، النّفسي، والعقلاني. يقول تعالى:” وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ” (المؤمنون: ١٢-١٤

       وقد شرع الإسلام للجنين في هذه المرحلة حقوقًا تغاضت عنها نصوص اتفاقية حقوق الطّفل، وقد ورد بعضها في كتاب الله، وغيرها في السّنة النّبوية، من أهمها:

حق الجنين بالعيش، وحرمةُ إجهاضه/ إسقاطه دون عذرٍ قاهر ( قد حلّل بعض  الفقهاء الإجهاض قبل نفخ الروح في الجنين في حالات خاصة كتعرض حياة الأم للخطر، ولكن بعد نفخ الرّوح فلا خلاف في حرمة الإجهاض)، فهو مخلوق، له حقّ الرعاية والعيش بكرامة.

المحافظة على صحّة الجنين، فقد أباح الإسلام للحامل أن تفطر إن كان صيامها سيؤثّر على غذائه (وفي حديث صحيح: …إن الله عزّ وجلّ وضع عن المسافر شطر الصّلاة، وعن المسافر والحامل والمرضع الصّوم).  

المحافظة على حقوق الجنين الماديّة، كالإرث والوصاية والهبة.

اذا وافته المنية وقد نفخت فيه الرّوح أي بعد تمام الجنين أربعة أشهر في الرّحم، فقد أمرنا الله بغسله، وتكفينه، والصّلاة عليه، و دفنه في مقابر المسلمين، وتسميته، و العق عنه لأنه إنسان (رأي بعض الفقهاء). أوإذا مات الجنين بسبب اعتداء خارجيّ على الأمّ، فيجب دفع ديّة الجنين من المعتدي. أمّا إذا خرج الجنين حيًّا ثم مات من تبعات الاعتداء فيجب دفع الدية مع الكفارة وهي عتق رقبة مسلمة فأن لم يستطع فصيام شهرين متتابعين، وذلك لعِظَم مكانة الإنسان والرّوح عند الله عزّوجلّ

للتّأكّد من صحّة الجنين يوصي مقدّمو الرّعاية الصّحيّة بضرورة زيارة الطّبيبة النّسائية أربع مرات كحد أدنى و خمسة عشرة مرة موزعة كحدٍ أمثل خلال فترة الحمل، وذلك للقيام بالفحوصات اللازمة ومراقبة صحة الجنين وأمه. وخلال هذه الفترة على الأم أن تهتم بطعامها وصحتها وأخذ المتممات الغذائية التّي يوصي بها الأطباء مثل: prenatal multvitamins , folic acid 

كذلك أكّدت الأبحاث العلميّة ضرورة عناية المرأة بصحتها الجسديّة والنفسيّة قبل الحمل والابتعاد عن السّموم والموادّ المخدّرة وذلك للمحافظة على الرّحم كبيئة صحيّة لاستقبال الجنين ونموّه، وتجنب المأكولات النية (اللحمة،السمك)وغسل الخضار بشكل جيد، والابتعاد عن الحيوانات  الاليفة كي لا يصاب  الجنين بتشوهات ( فحص التكسوبلاسموز Toxoplasmose يوضح ان كانت الام  لديها مناعة ام لا من الحيوانات(*) )  كذلك ابتعادها عن مسبّبات القلق والتّوتّر، لما في لذلك من تأثير سلبيّ على تطوّر دماغ الجنين وعلى وظائفه الإدراكيّة والتّنفيذيّة(*) .

في نهاية هذه الرحلة ننتقل إلى رحلة رعاية المولود وهي رحلة أطول وأصعب ولكن بعون الله والعمل والمثابرة سنحقق الهدف الذّي خلقنا لأجله.

رحلة رعاية المولود:

ها قد بدأنا رحلة جديدة مليئة بالتحديات الصّعبة والممتعة إنها رحلة التّربية. كثيرٌ من النّاس يتكلمون عن التّربية الإيجابية حيث لا يمكننا اعتبارها المعيار الأمثل، لأننا وأبنائنا بشر نصيب ونخطئ..  لذلك نستبدلها بكلمة أصح وهي التّربية السّويّة وتعني الاستواء والاعتدال، وكما قال تعالى: ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ) البقرة/143 

مفهوم الاعتدال يساعدنا على الإعترف بأننا نخطىء أحياناً و نصيب أحياناً  مما يعزز العلاقة بيننا وبين أبنائنا. أعلم ان التساؤلات لا تنتهي، لذلك قبل أن نوسع الآفاق سأخبركم عن خاطرة تربوية قرأتها في كتاب هكذا ربانا جدي علي الطنطاوي(*)كان يطلب منا ان نعينه على نفسه فننقده ونهدي اليه عيوبه كنا نستحي منه لأنه كبير العائلة لكنه كان يصر علينا أن نخبره وإذا أطلنا الاجابة يشجعنا بقوله لا يوجد كمالٌ في الدنيا ولكل امرئٍ عيوب وأخطاء: وهذا يعزز النّقد البناء عند الاطفال والثّقة بالنّفس والشّعور بالأمان